قريبا .. "الاخراج المسرحي وجماليات المبنى السينوغرافي" بمقدمة من حسن النخيلة

قريبا ..

تستعد دار الفنون والاداب العراق (البصرة) لاصدار كتاب "الاخراج المسرحي وجماليات المبنى السينوغرافي" وهو من تأليف الاستاذ الدكتور يوسف رشيد - جامعة بغداد / كلية الفنون الجميلة وتقديم الاستاذ الدكتور - حسن عبود النخيلة - جامعة البصرة / كلية الفنون الجميلة، ويقع الكتاب بأربعة فصول 350 صفحة / القطع الكبير وفقا لما اخبر به النخيلة المربد.
وجاء في المقدمة المدونة بقلم ا.د. حسن عبود النخيلة ، لهذا الكتاب، ما يأتي :
شغلتْ تحوّلات الخطاب المسرحي منطلقات عدّة ذهبتْ إلى تأكيد حيوية هذا الفن وانفتاحه على بؤر مركزية متعددة، تكون له الميزةُ والحضور في سبر أغوارها وبعثها من جديد عبر دينامية وفاعلية الخطاب المتمثّلة فيه .
  في ( الإخراج المسرحي وجماليات المبنى السينوغرافي ) يطلعنا المؤلف المجتهد ( أ.د. يوسف رشيد ) على كشوفات تميّزُ فن المخرج ، وطبيعة الفكر الإخراجي ــ بشموليته ــ التي لا تقبل الاجتزاء ، في بناء (ذرات العرض ) ـــ إذا جاز التعبير ــ لأنّ العميلة الاجتهادية الإبداعية في إنتاج الخطاب البصري ــ بعموميته ــ تقتضي التفلسف في كل مكونات الجسد      المسرحي ، في بؤره الصغيرة ، وبؤره الكبيرة المهيمنة ، والعلاقة مع العموم علاقة لا انفكاك لها ، إنها أشبه بالهارموني الموسيقي الذي لا يتقبل انسحاباً ـ لأي صوت يتأسس عبره المزيج الصوتي العام ، وأيّ تعثّر لأي مكون فيه ، يخلّ بالبناء العام . لذا فأن المنظور الإخراجي المسرحي المطروح في هذا الكتاب أُريد من خلاله ، الإعلان الدقيق عن هذه الشمولية بعمقها وفلسفتها وجمالها ، فعمل على توصيف لهذا الشمول مُختاراً لعنوان ( المبنى السينوغرافي ) الذي يشير إلى الجهد البصري الدقيق ، المفعم بروح الجمال ، وسبل تحقيقه عبر تنظيرات الإخراج المسرحي وأساليبه ، واجتهاداته وتنوعاته في بعث هذا المتحقق البصري .
   إنّ تذويب المكونات تحت سلطة الخطاب البصري المتماسك تجعل الصورة بجمالها هي المرتكز الذي ينطوي في افقه جميع التنوعات الأخرى ، التي تحتفظ بوجودها ولكنها لا تُرى إلا من خلاله ، فالكيان اللفظي ـــ مثلاً ـــ يتوالى بالظهور عبر سلطة الصورة التي تصنع كيانه وتعلن حضوره ، وعلى حد تساؤلٍ لا غنى عنه يطرحه  - جون اوستن ، في منجزه (أفعال الكلام): " كيف ننجز أفعالاً بالكلمات " ؟ . إنّما هو هنا يُعنى في منجزه على تغليب بلوغ المعنى مراده ، عبر وضعه في مسار ديناميكي عالٍ في تصدّره وهيمنته ، كما وأنّه يُلازمُ ما بين اللفظ والصورة ، بوصف أنّ الأخيرة مُتحققهُ وبدونها ليس له وجود بالمرة ــ إذا كانت هذه لغة الخطاب التداولي ــــ فكيف إذن يكون اشتغال الصورة في فنٍ بصريٍ بالأساس ، مثل (الإخراج المسرحي )؟
   سلطة الصورة الإخراجية ، تنبعث من انقضاضها عبر هذه الدينامية التي يتأسس عبرها خطاب العرض المسرحي ، والى جانب هذا المتحرك المثير الذي تشتمل عليه ، فهي تهيمن عبر جمالياتها الأخاذة التي يُكرّسُ لها المؤلف خبرة ووعياً وتاريخاً غنياً دالاً على تأسيساتها ومنطلقاتها وموقفها المعلن في الخطاب الجمالي للعرض المسرحي ، الذي يتكشّفُ دوره في مُتحقق ( المبنى السينوغرافي) عبر تصدير جوهري فيه لمتشكّلات الخطاب ، وبعثها عبر طاقة استثنائية شمولية ــ يقوم عليها الفكر الإخراجي ــــ تطال ما هو سمعي وبصري وحركي . هذا التشابك بين هذه العناصر ، لا تبلغه سوى ( الصورة الكلية ) ، لذا كان المؤلف بحنكته ودرايته حريصاً في توطيد هذا المعنى وسبر أغواره وتغطيته في كتابه عبر جوانب متعددة ، تنطلق من الجزئيات إلى الكليات ، ولا تسهو عن متحرك جمالي من شأنه بلوغ العرض المسرحي مُدركاته الجمالية وسريانه الفاعل، وتأثيره المتجدد .
    لذا فقد ركزّ المؤلف في الكتاب تركيزاً واعياً على المتحرك التاريخي للفعل الإخراجي ومحركاته الفكرية ؛ واستثماره الجمالي الواعي ، وصولاً به إلى كيفيات الإنجاز للمبنى السينوغرافي .
    في هذا الكتاب يذهب ( الأستاذ الدكتور ــ يوسف رشيد) إلى تعزيز منطلقات عوامل الالتقاء لما أسميناه بـــ ( الجسد الكلي) – إذ لا انفصال للمحيط العام عن الجسد      الحي ، والديناميكية السارية فيه يجب أنْ تُلاقي ما يتواءم معها ، فلا يكون في ذلك خروجاً عن المكون الحي، ولذا فأن الفكر الإخراجي المجتهد بوعيه وتفسيراته ومنطلقاته الجمالية لابد وأن يلتفت في هذا التوافق إلى أنْ يحقق في إنتاجه الجمالي الإخراجي ما ينتمي إلى توافقية (المبنى السينوغرافي) لأنّه يتأسسُ عبر المكوّن الحي وبيئته التي يجب أن تتوافق معه في صفته هذه  .
   على هذا الأساس يكون مُفتتح عنوان الكتاب المتضمن لــ مفردتي ( المبنى السينوغرافي) دالاً على الشمول - وعلى غزارة ما جاء فيه من طروحات لم تستثني محصلة العملية الإبداعية الإخراجية لدى أسماء بارزة كثيرة في المسرح الغربي . وكذلك ما هو كاشف بإضافة علمية دقيقة لذاكرة عراقية غنية على صعيد التجربة المسرحية ومدياتها المتحققة جمالياً - لدى جيل واعٍ – تمثل بأسماء مثل : ( د. سامي عبد الحميد) في (بيت برناردا البا) ـــ بشكل خاص ــ وتجارب إخراجية أخرى من أمثال (كنوز عرناطة) ( المفتاح) (الخان) ، (ملحمة كلكامش) (تاجر البندقية) . والمخرج ( د. فاضل خليل) وإخراجه لــــــ (الشريعة ) و ( اللعبة)  ــ بشكل خاص ــ و (الملك هو الملك) ، (خيط البريسم) (الباب القديم) بشكل عام . المخرج (د. صلاح القصب) في اخراج (هملت)  ــ بشكل خاص ــ و(أحزان مهرج السيرك) ، و (العاصفة) و ( الحلم الضوئي) ــ بشكل عام . المخرج (محسن العزاوي) وإخراجه لــ (الشاهد والقضية) . المخرج (إبراهيم جلال) في إخراجه لعرض (الطوفان) . (د. عقيل مهدي يوسف) وعرض مسرحية (الغوريلا) .(بدري حسون فريد) في مسرحية( الأشجار تموت واقفة) . (قاسم محمد) في إخراجه لمسرحية (كان يا ما كان). وأسماء أخرى .
  كما أنّ محصلة مهمة للعمل الإخراجي ، في بلوغ بلاغة الصورة وتأثير الخطاب المسرحي وجمالياته النوعية ،قد كرّس له (المؤلف) جهوداً استثنائية في فصول كتابة الخمسة  ذاهباً في ذلك للحديث عن جوهر عمل المخرج المسرحي ، وسبل تحقيق الروح الجمالية الفريدة في التجربة المسرحية عبر الانفتاح الإخراجي على الذائقة التشكيلية وخبرتها العلمية في بعث التأثير والتكامل الفني والجمالي الذي يجب أن يكون موضع الاهتمام في التجربة المسرحية وبناء العرض المسرحي .
    على هذا الأساس تجابهنا في هذا الكتاب - محطات جمالية- تكشف عن عمق التجربة . استنطاقات غنية لتأسيس الخطاب الجمالي على الصعيدين العالمي والعراقي بجوار رصدٍ غني للمعطيات الجمالية التي يبلورها فن التصميم عبر أسماء أغنتْ التجربة المسرحية جمالياً ومعرفياً عبر تاريخ حضورها الطويل والمشرّف والمشرِق من أمثال (كاظم حيدر) ، (نجم حيدر) ،( كامل هاشم) ، (د. عباس علي جعفر) ، (مهدي الحسيني) (فاروق حسن ) ،(صلاح حافظ)، (فاضل القزاز) ، (سلمى العلاق)، (ابراهيم رشيد) (امتثال الطائي) .
    منظور مهم في التجربة الإخراجية ينبثق بقوة عبر مساهمة الأسماء السالفة ، ومدونات كاشفة عن عمل المخرج وحنكته، وشهادات بحقهم .
     إنّ مجاورة هذه الأسماء المهمة مع خطاب المخرج الذي تم تدوينه بصدق عبر رصد مباشر ولقاء حيوي يمنح المفاتيح لدخول عالم التجربة الإخراجية ببعدها المطل بإشراق عبر المبنى السينوغرافي ، ومن الكثير منها : تأكيدات الدكتور - صلاح القصب- عبر تمييز معرفي للكشف عن ثراء هذا الفن الغني بمعطياته الإنسانية والجمالية . للالتفات إلى غنى التجربة البصرية التي هي جوهر العمل الإخراجي وتصديراته عبر المبنى السينوغرافي ، لأنّ الكلمة تموت - عمرها مرتهن بلحظة نطقها ، إلا أنّ حياتها رهينة الصورة ، التي تُثبّتُ معناها ،وتمنحها قدرة الحركة لتكون موجودة ، مبصرة ، . ومن ثم فأنّ هذه الصورة لا ترتبط بأشكال فارغة ، لأنّها تحمل في ثناياها الروح وحرارة الكلمة في تدفقها معناها الفكري وأثرها الحسّي ، لذا فالشكل بلغة - د. صلاح القصب - هو : لغة ، نبض ، روح مطلقة- .
   ومن ثم تتشكل وشيجة العلاقة بين النظام السمعي والنظام البصري اللذين هما محور حياة العرض المسرحي . وعندما يُطلق مصطلح ( كتلة) تذهب الأفهام ــ ربما ـــ إلى الارتباط بالأشياء الجامدة . غير أنّ منطلق المسرح ، الذي هو منطلق الحياة يجافي هذه القاعدة المتزمتة فيحيل مكون الكتلة إلى ( الممثل - الديكور - اللون) .غير أنّ هذه التحديدات التي يُطلقها الدكتور صلاح القصب - لا يغفل كيفية انبعاث فيض الحياة فيها ، فينصّ على أنّ ( الكلمة = الحركة ) وبالتالي فأن هذا المتحول الإخراجي يجعل من المبنى السينوغرافي بعمومه يمتاز بصفة المتحرك .
  إزاء هذا الجهد الكبير القائم في ثنايا هذا الكتاب المعرفي الغني ، والذي لا غنى لطلاب العلم عنه ، وعن استناراته ، ورصده العميق والدقيق لمكونات المنظومة الإخراجية وحمولاتها الجمالية الغنية ، وسبل انبعاثها .. مما يجعل هذا المجهود النوعي حقلاً معرفياً لرصد المعلومات البارزة ولتغطية فترات زمنية مزدهرة ، وتجارب غنية بارزة لأسماء كبيرة في ميدان الإخراج المسرحي وخلق المبنى السينوغرافي . وصولاً إلى تخطي التقليدية والتحلي بالرصانة التي تتمثل بوقائع وتجارب شاهدة بفحوى دال وعميق عن مستلزمات الاجتهاد وبلوغ المتحقق النوعي في التجربة المسرحية... إنّ هذه الكشوفات المعرفية تتطلب استبصاراً وتأملاً ليتحول هذا الكتاب بخبرته ومدلولاته دليل عمل للباحثين والدارسين والمهتمين بالشأن المسرحي .

المزيد من ثقافة وأدب وفن

Developed by AVESTA GROUP