كيف كان أجدادنا يواجهون "القيظ" في ظل انعدام أجهزة التبريد؟

تحقيقات
17 آب 2024
كيف كان أجدادنا يواجهون

كيف كان أجدادنا يواجهون "القيظ" في ظل انعدام أجهزة التبريد؟ 
بيت الطين ... والمهفة ... والعاقول ... والسرداب ... وسائل تبريد انقرضت من حياتنا
والي البصرة العثماني: اقطعوا النخيل ... لتخف عنا طباخات الرطب!

المربد: كتابة طعمة البسام
تخيل انك تعيش في جو تتجاوز حرارته الخمسين درجة مئوية في الصيف دون  أن يكون في بيتك مكيف أو سبلت أو حتى مروحة كهربائية...تخيل انك في البصرة وتحولت الرياح إلى شرقية رطبة...أو ما يعرف بـ"الشرجية" ولاشي يقيك من شرها وحرها؟

هكذا عاش أجدادنا والأجيال التي سبقتنا طبعا دون أن يتذمروا أو يشكو فقد كان ذلك  أمرا طبيعيا.
يقال إن أحد ولاة البصرة من العثمانيين كان قد شهد حر البصرة وشرجيها فتساءل عن سر هذا الحر في هذه المدينة فقالوا له : مولاي هذه طباخات الرطب، فقال إذا كان الأمر كذلك فاقطعوا كل نخيل  البصرة علّ الجو يتحسن قليلا!!!!

وسائل التبريد قبل عصر الكهرباء
قبل عصر الكهرباء، كانت وسائل التبريد قليلة وبدائية، حيث  لجأ القدماء إلى تقنيات التبريد الذاتية لخفض حرارة الجسم، مثل الاستحمام بالماء البارد والسباحة وتبليل الثياب بالماء والتلويح باليد على الوجه أو باستخدام مروحة يدوية وتبريد مناطق النبض مثل المعصمين وجوانب الرقبة باستخدام الماء أو حتى قطعة قماش مبللة.

في كتابه "التبريد في التراث العلمي العربي"، يستعرض الباحث السوري (بصمه جي) طرق التبريد في العصور السالفة وتحديدا بالعراق حيث يقول:

(وكان الناس في العراق يعلقون حصرًا مبللة تتدلى على فتحات النوافذ من الخارج من أجل تبريد الهواء بفعل التبخر، إذ تؤدي ظاهرة التبريد التي تنجم عن تبخير المياه إلى مضاعفة برودة الهواء وكان بعضهم يستبدل بالحصر كميات من الفحم النباتي لامتصاص الروائح الكريهة من الهواء).

ثلاثة أنواع من الحرارة في العراق
وأطلق العرب على أشد حرارة في الصيف اسم "القيظ"، وقسموها إلى ثلاثة أنواع: حرارة بسموم (مربعانية القيظ)، وحرارة بجفاف (ذبحة القيظ)، وحرارة برطوبة (جمرة القيظ)، وهذه الثلاثة محصورة بين أشهر حزيران وتموز وآب، وهي الأشهر الأشد حرارة في معظم الدول العربية بما في ذلك العراق.

السرداب
في معظم البيوت العراقية خصوصا النجف وبغداد والموصل يوجد "سرداب"، وهو قبو واسع مفروش يتصف بجو جميل، ويجلس فيه أهل البيت في أيام حر الصيف الشديد.

وكان السرداب موجودًا في معظم البيوت في بغداد قبل انتشار المنازل الحجرية والخرسانية، إذْ يعد مستوى ما تحت الأرض مكانًا مثاليًّا للتوازن الحراري طول فترات السنة؛ مما جعل الناس يبنون غرفة سفلية تسمى "غرفة القبو"، تستعمل في الأوقات الشديدة الحرارة وتلك الشديدة البرودة من السنة إضافة إلى ذلك يقوم القبو بدور المكيّف المركزي للمنزل كله، وذلك من خلال اقتناص الهواء وإشباعه بالرطوبة ثم دفعه مرة أخرى عبر الأرضية ليرطب الغرف المحيطة.

أما في بقية المدن العراقية وخاصة الجنوبية منها فكانت البيوت فيها تبنى من الطين الممزوج بالتبن، فالطين هنا مادة عازلة للحرارة فيكون البيت بارد إلى حد ما في الصيف ودافئ في الشتاء، وفي بعض الأحيان يكون في الغرف شباك صغير يسمى شعبيا بــ(الرازونة) وهي فتحة صغيرة تكون باتجاه الشمال، حيث الرياح الشمالية الغربية وفي تلك الفتحات يوضع العاقول وقد ابتل بالماء وعندما  تهب رياح السموم تصطدم بالعاقول البارد فتدخل تلك الرياح إلى الغرف نسيما، باردا، منعشا، الأمر الذي يخفف من وطأة حرارة "القيظ".

أما اليوم ومع تطور الحياة، فما عليك الآن تضغط ضغطة خفيفة على الريموت – إذا توفرت عندك الكهرباء - حتى يأتيك الهواء العليل البارد "العذيبي" دون الحاجة لبيت الطين أو المهفة أو العاقول.

وعودة إلى "صيحة" الوالي العثماني فنقول له: لقد تم قطع وجرف ثلاثة أرباع بساتين البصرة...ولكن طباخات الرطب أبت أن تفارقنا.



المزيد من تحقيقات

Developed by AVESTA GROUP